القضية أكبر من حظر Fortnite والوجهة النهائية قد تغير العالم التقني ككل

القضية أكبر من حظر Fortnite والوجهة النهائية قد تغير العالم التقني ككل شارك FacebookTwitterWhatsAppالبريد الإلكتروني

قبل أكثر من 12 عام مضت قررت شركة Apple إطلاق متجر تطبيقاتها المعروف باسم App Store، حيث أدركت الشركة أن تطبيقاتها الرسمية لا يمكن أن تكون كافية حقاً لهاتف iPhone واسع النجاح، وفتح المجال للمطورين لصنع تطبيقات تثري قدرات الهاتف ضمن بيئة متحكم بها فكرة ممتازة لجعل الهاتف أفضل للمستخدم وأكثر جاذبية. وبعد أشهر قليلة، تبعت Google نفس الخطى وأطلقت متجرها الذي تحول لاحقاً إلى Google Play Store مع نفس الفكرة.

في حينها كانت فكرة متاجر التطبيقات، وحتى استخدام التطبيقات من طرف ثالث لا تزال محدودة للغاية، ومع وجود مركز موحد لتوزيع التطبيقات على كل من نظامي iOS وAndroid سرعان ما ازدهر النظامان بالتزامن مع متاجرهما الخاصة، إذ قادت مبيعات الهواتف المتزايدة إلى إقبال أكبر على المتاجر وحماس أكبر للمطورين، وبالمقابل كان وجود متاجر غنية بالتطبيقات المفيدة والألعاب المسلية أمراً جذاباً للغاية للمستخدمين وورقة رابحة للنمو على حساب شركات كانت كبيرة حينها مثل Nokia وBlackberry.

مع النسبة الأكبر من التطبيقات والألعاب المتاحة عبر المتاجر كانت ولا تزال مجانية أو مدعومة بالإعلانات عادة، فقد كان هناك نسبة لا يستهان بها من الألعاب والتطبيقات التي تحتاج الشراء لاستخدامها، ومع كون عمليات الشراء كانت تمر عبر المتاجر فقد بدت حصة 30% الكبيرة التي يقتصها المتجر من أية أموال تدفع للشراء مقبولة ولو على مضض من قبل المطورين.

لكن الأمور لم تبقَ على حالها، وبينما كان كل من نظامي Android وiOS نظامين صغيرين وناشئين عام 2008، فهما اليوم اللاعبان الوحيدان في ساحة الهواتف الذكية ويسيطران على كامل السوق في الواقع. وبالنتيجة بات متجرا App Store وGoogle Play Store منصتين عملاقتين مع عمليات مبيع سنوي بمئات المليارات من الدولارات.

اليوم لم يعد وجود متجر تطبيقات على الهاتف ميزة حقاً، بل أنه واحد من الأمور المتوقعة التي يستغرب الجميع غيابها إن حدث، وبالنتيجة بات قلة من الناس يبحثون عن مواقع التطبيقات لشرائها من صفحة الويب أولاً ومن ثم تحميلها من المتجر، بل بات السبيل المعتمد هو الشراء من المتجر حصراً، وهذا الأمر بالتحديد مشكلة كبيرة اليوم ومحور قضايا كبرى تمتلك قابلية الإطاحة بـ Google وApple في الواقع.

قضية Epic Games ولعبة Fortnite

القضية أكبر من حظر Fortnite والوجهة النهائية قد تغير العالم التقني ككل
خيارات الدفع في لعبة Fortnite قبل حظرها

منذ إطلاقها خريف عام 2017، عصفت لعبة Fortnite Battle Royale بعالم الألعاب بشكل هائل، إذ جمعت عشرات ملايين اللاعبين خلال أسابيع فقط من إتاحتها، وعلى مدى السنوات الثلاثة الماضية حققت اللعبة أرباحاً هائلة لشركة Epic Games مما دفع الشركة لتوسيع اللعبة أكثر لتصبح متاحة على الهواتف الذكية، ومن هنا تبدأ القصة المثيرة للاهتمام.

على نظام iOS لم يكن لدى Epic Games خيار سوى طرح اللعبة عبر متجر App Store وقبول خسارة 30% من أرباحها، لكن لهواتف Android كان الأمر مختلفاً في الواقع، حيث طرحت اللعبة عبر متجر Epic Games Store الخارجي ولم تكن متاحة عبر Google Play Store مع هدف وحيد هو الالتفاف على قيود نسبة 30% المخصومة من عمليات الشراء داخل اللعبة.

قبل بضعة أشهر أضيفت لعبة Fortnite إلى متجر Google Play للمرة الأولى، لكن يبدو أن الخطوة كانت مجرد تمهيد لمخطط الشركة اللاحق، حيث بدأت اللعبة قبل أيام بتقديم خيار الشراء من Epic Games مباشرة دون وساطة المتجر أصلاً، وحتى أن عمليات الشراء المباشرة كانت تكلف حوالي 20% أقل من الشراء عبر المتجر نفسه.

نتيجة التغيير في طريقة الشراء داخل التطبيقات، سرعان ما بادر كل من متجري App Store وGoogle Play Store وأزالا لعبة Fortnite لأنها خالفت القواعد بإتاحتها وسيلة دفع مستقلة عن وسيلة دفع المتجر، ويبدو أن شركة Epic Games كانت تنتظر الأمر وتتوقعه، وخلال ساعات من خبر الإزالة من المتاجر توالت أخبار قيام شركة الألعاب الأمريكية العملاقة بمقاضاة كل من Apple وGoogle.

Epic Games لم تكن الوحيدة، بل سبقتها العديد من الشركات الأخرى

مع أن قصة Epic Games تحظى بالتغطية الإعلامية الأكبر حالياً، وبالأخص مع كونها تحولت إلى معركة قضائية وليس مفاوضات مع المتجر فقط، فهي أبعد ما تكون عن الوحدة، إذ أن هناك عدة قصص معروفة لشركات كبيرة لا تريد قبول خسارة 30%، كما أن هناك قصصاً لا تحصى لمطورين أصغر ولو أن معظمهم خضع لشروط المتجر لاحقاً لانعدام الخيارات البديلة. وتتضمن بعض القصص أموراً مثل:

تطبيق Proton Mail

يعرف تطبيق Proton Mail بأنه خدمة بريد إلكتروني آمنة ومدفوعة، ولسنوات كان الاشتراك بخدمات التطبيق يتم عبر متجرApp Store إلى أن قام مطورو التطبيق بإتاحة الاشتراك عبر موقع خارجي وبسعر أرخص حتى من سعر الاشتراك عبر المتجر، وبالنتيجة قامت Apple بما تعتاد فعله في هذه الحالات وأزالت التطبيق من المتجر إلى أن تراجع عن خطوته وعاد للالتزام بضريبة الشركة العالية.

خدمة بث الموسيقى Spotify

القضية أكبر من حظر Fortnite والوجهة النهائية قد تغير العالم التقني ككل

مع كونها تعمل مع هامش ربح معدوم في الواقع (حتى الآن لا تزال شركة Spotify تخسر المال ولا تحقق الأرباح)، لم يكن باستطاعة Spotify التعامل مع ضريبة Apple وGoogle Play المرتفعة، وبالنتيجة كانت الشركة تتيح للمستخدمين الاشتراك عبر المتجر، لكن بسعر أعلى من المعتاد هو 13 دولاراً شهرياً بحيث يدفع المستخدم المال الإضافي المطلوب كضريبة للمتجر.

لكن الأمور تغيرت بعدها نتيجة تقديم خدمة بث الموسيقى المنافسة Apple Music والتي تكلف 10 دولارات شهرياً، حيث أن كونها خدمة تابعة لـ Apple يجعلها معفاة في الواقع من الحصة المخصومة من المال، وهنا لم يكن أمام Spotify سبيل سوى إلغاء الاشتراكات عبر المتاجر بشكل كامل. وباتت الطريق الوحيدة للاشتراك المدفوع تتم عبر المتصفح والدفع المباشر لـ Spotify وليس عبر تطبيق الهاتف.

خدمة بث المسلسلات والأفلام Netflix

كما هو الأمر مع Spotify فاشتراكات Netflix حساسة للسعر إلى حد بعيد، وخيار رفعها لتعويض الضريبة أو تحمل الخسارة ليست أفكاراً مطروحة حقاً، لذا ومنذ عام 2018 لم تعد Netflix تسمح بالتسجيل لحسابات جديدة تقوم بدفع اشتراكها عبر أحد متجري App Store أو Google Play، بل يجب أن تسجل الحاب وتفعل الاشتراك المطلوب من الويب قبل تسجيل الدخول في تطبيق Netflix.

شركات أخرى

بالإضافة للخلافات الواضحة والمباشرة، هناك العديد من الشركات التي تعترض على سياسات Apple وGoogle بشكل علني، والقائمة تنمو بشكل كبير مؤخراً مع انضمام أصوات مثل Telegram وحتى Facebook إلى المطالبة بإنهاء السلوك الاحتكاري الذي تقوم به متاجر التطبيقات الكبرى.

في الواقع كانت Spotify واحدة من أولى الشركات التي قدمت شكوى رسمية ضد ممارسات المتاجر في الاتحاد الأوروبي، واليوم بات من الواضح أن تلك الشكوى قد حركت الكثير في أوروبا والولايات المتحدة.

ما الذي من الممكن أن يحصل نتيجة دعاوى كسر احتكار Apple وGoogle

القضية أكبر من حظر Fortnite والوجهة النهائية قد تغير العالم التقني ككل
أحد أعضاء الكونجرس الأمريكي أثناء جلسة الاستماع لرؤساء الشركات التقنية واستجوابهم

مع أن الدعوى القضائية التي بدأتها Epic Games ضد كل من Apple وGoogle مثيرة للاهتمام للغاية، وبالأخص كون Epic شركة كبيرة كفاية لتتحمل مواجهة قضائية مع الشركتين التان تقدران معاً بأكثر من 3 ترليون دولار أمريكي. لكن التغييرات الحقيقية ستأتي من مكان آخر على الأرجح، وهذا المكان الآخر هو تشريعات جديدة سواء من الاتحاد الأوروبي أو الكونجرس الأمريكي.

عبر السنوات الأخيرة كان المشرعون الأوروبيون ونظراؤهم الأمريكيون يحققون بشكل متعمق بالممارسات الاحتكارية لعدة شركات تقنية كبرى تتضمن Amazon وFacebook إضافة لشركتي Apple وGoogle، ويبدو أن هذه التحقيقات قد وصلت إلى مرحلة متقدمة وبالأخص مع قيام الكونجرس الأمريكي باستجواب رئيسي Google وApple مؤخراً، وبشكل مفاجئ أبدى أعضاء الكونجرس معرفة تقنية كافية لتفنيد حجج رئيسي الشركتين وإحراجهما بالأسئلة بشكل غير معتاد في تحقيقات سابقة.

حالياً لا يمكن الجزم بأي نتيجة نهائية حقاً، لكن من الواضح أن المزاج العام لم يعد لصالح الشركات التقنية الكبرى، والكره نحوها يتزايد بشكل كبير مما قد يعني أنها قد توضع أمام خيار صعب قريباً: تغيير سياساتها بشكل جذري يجعلها أقل احتكارية وقتلاً للمنافسة، أو المغامرة بقرار حكومي قد يؤدي إلى تفكيكها إلى أجزاء بدل بقائها شركة واحدة.

في الماضي سبق وأن قادت تحقيقات كبرى إلى إنهاء احتكارات كبرى، وفي واحد من أهم الأمثلة ربما كان الاحتكار تقنياً بدوره حيث تم التحقيق مع شركة Microsoft في قضايا احتكارية لسنوات، ومع نهاية التحقيق أرغمت الشركة على تغيير ممارساتها بشكل كبير مع غرامات عملاقة باتت رادعاً لها من تكرار سلوكها السابق، وربما تكون النتيجة مشابهة لذلك في التحقيقات الحالية.

بالطبع وفي حال كان هناك تغييرات مفروضة فمن غير المعروف ما هو مداها الممكن، لكن بعض الاحتمالات قد تكون فرض السماح للتطبيقات باستخدام طرق دفع مستقلة، أو تخفيض نسبة العائدات المقتطعة إلى نسبة منطقية أكثر مثل 5% أو حتى 10% أو مزيج من المقترحين أو حتى حلول أخرى لا نعرفها بعد.

المصدر